فجر الديمقراطية في لبنان.


عندما أُغتيل رفيق الحريري قامت المعارضة اللبنانية بإنتفاضتها التي عرفت بإسم إنتفاضة الإستقلال والتي أدت لسقوط حكومة عمر كرامي ثم إعلان بشار الأسد إنسحاب الجيش والمخابرات السورية من لبنان على مرحلتين. وكانت إنتفاضة الإستقلال ظاهرة حضارية غير مسبوقة في هذه المنطقة. فعوضاً عن أعلام الأحزاب والطوائف رفع الآلاف من المشاركين والمشاركات في إنتفاضة الإستقلال علم لبنان فقط. كذلك لم تردد هتافات المشاركين في إنتفاضة الإستقلال الكلمات العربية المعهودة عن أمريكا وإسرائيل والمؤامرات الخارجية وإنما ركزت على قضايا لبنانية بحتة هي ضرورة إنهاء الوجود السوري في لبنان وإسقاط النظام غير الشرعي للرئيس لحود وإنهاء دولة المخابرات داخل لبنان وحتمية الكشف عن حقيقة الذين قتلوا الحريري. لم يكن بوسع سوريا أن تترك هذه الظاهرة دون تشويه. فقام خادم سوريا في لبنان (حزب الله) بالدعوة لمظاهرة كبيرة يوم 8 مارس في ساحة رياض الصلح في بيروت بهدف إظهار التأييد لسوريا وقام النظام السوري والجيش السوري والمخابرات السورية مع النظام اللبناني والمخابرات اللبنانية والجيش اللبناني بحشد مئات الألوف في مظاهرة تأييد وشكر لسوريا. ويعرف العالم اليوم أن تسعين في المائة من المشاركين في هذا الحشد إما جاءوا من سوريا في شاحنات أو كانوا من الطبقة السورية العاملة في لبنان أو من أنصار حزب الله. واليوم (14 مارس) قامت المعارضة بحشد أكبر بكثيرٍ في بيروت دون أن تكون مؤيَّدة بأي نظام سياسي أو جيش أو جهاز مخابرات. اليوم (14 مارس) ظهر للدنيا أن ديموقراطية جديدة قد ولدت في لبنان. إلا أن لهذه الديموقراطية الوليدة عدو شرس بوسعه أن يجهض هذه الديموقراطية ويعيد لبنان للفوضى والعنف والدم – هذا العدو هو حزب الله.

إن حزب الله ظاهرة سيئة من كافة الجوانب: فهو من جهة ظاهرة شاذة لتنظيم يحمل سلاحاً غير سلاح الدولة، وهو ما يرفضه اللبنانيون جميعاً. وهو من جهة يحمل سلاحاً طائفياً وليس لبنانياً أي سلاح بيد الشيعة الذين تناصرهم إيران وسوريا. وهو ثالثاً تنظيم يعتبره كثيرون في العالم تنظيماً إرهابياً. ومن جهة رابعة فإنه تنظيم كان يدعي أن هدفه تحرير الأرض اللبنانية من الإحتلال السوري... ولكنه اليوم بدَّل هدفه وجعله تحرير فلسطين (كل فلسطين). ولا يعرف أحد من الذي أعطى حزب الله هذه الوكالة ليمثل الفلسطينيين الذين إختاروا أبو مازن رئيساً لهم من خلال عملية إنتخاب حرة. إن سوريا ولبنان والفلسطينيين قد يصلوا جميعاً لإتفاقيات سلام مع إسرائيل خلال السنوات القادمة... ولا يعرف الإنسان كيف سيكون موقف حزب الله يومئذ بعد أن تكون سفارات إسرائيل قد فتحت في دمشق وبيروت ورام الله. هل سيبقى حزب الله يومها يقاتل نيابة عن سوريا ولبنان وفلسطين الذين لم يعطوه توكيلاً بذلك؟

إن حزب الله ظاهرة ضد كل حقائق المجتمعات المدنية المعاصرة… وضد حقائق الديموقراطية والدولة الحديثة… وضد حقائق التاريخ… وضد أهداف السلام التي يتوخاها المتحضرون في كل مكان في العالم.