هـل كان للمسـيح أخـوة ؟

كتب أحدُ أصحاب العواميد الصحفية بجريدةِ الأهرام يوم 14 مايو 2002 يؤكد أن السيدَ المسيح كان له أخوة . وفي هذا كتب ما يلي : (إن القديس جيمس هو الأخ غير الشقيق للسيد المسيح) . وذكر أن معلوماته من الأناجيل ومن التاريخ الذي كتبه المؤرخ اليهودي يوسيفوس . والذي لم يذكره الكاتبُ هو أن المسيحيين (بإستثناء البروتستانت) لا يؤمنون بأن السيدَ المسيح كان له أخوة غير أشقاء كما ذكر الكاتبُ وقال أنه يعتمد في ذلك على نصوصٍ واضحةٍ وليس فيها أي إجتهاد لا من جانبه ولا من أي أحدٍ آخر . والحقيقةُ أن النص الذي يشير إليه الكاتبُ وهو الوارد بالإصحاح 13 من إنجيل متى الرسول مأخوذ عن أقدم النصوص لأنجيل متى وهو النص اليوناني القديم . والنص اليوناني القديم مأخوذ من أصل آرامي (والآرامية هي اللغة التي تحدث بها السيدُ المسيح وهي لغة منبثقة عن العبرية ولا تزال أعدادٌ قليلةٌ من الناس في جنوب سوريا تتكلم الآرامية) . ولفظة (أخ) و(إبن خالة) في اللغة الآرامية هي لفظة واحدة مشتركة تستعمل في الإشارة لكليهما أي للأخوةِ ولأبناءِ الخالة . وهناك إجماع بين دارسي الأناجيل من غير البروتستانت على أن (يعقوب ويوسي ويهوذا وسمعان) المُشار إليهم في إنجيل متى (الإصحاح 13) هم أبناء خالة السيد المسيح . ومعروف أن "مريم" التي يُشار إليها في الأناجيل بعبارة (مريم الأخرى) هي شقيقة السيدة مريم العذراء وقد سماها والداها (يواقيم وحنة) بإسم أختها الكبرى (مريم) لأن مريم الكبرى كانت قد وهبت لله . وقد تزوجت مريم الشقيقة الصغرى للسيدة مريم العذراء ويعلم دارسو المسيحية زوجها (كلوبا) وأنجبت أربعة أبناء هم المُشار إليهم في إنجيل متى بكلمة "أخوة المسيح" وهو تعبير مترجم عن الآرامية والتي تستعمل نفس اللفظة للإشارة للأخوة ولأبناء الخالة .

أما البروتستانت ، فقد تأثرت نشأتهم بأفكار يهود أوروبا في القرون الوسطى ومن نتائج ذلك قولهم بأن للسيد المسيح أخوة ومسائل أخرى عديدة .

ورغم أن المسلمين لم يكتب أحدٌ من مؤرخيهم عن هذه الجزئية ، إلاِّ أن قداسة السيدة مريم العذراء عند المسلمين تبلغ أعلى مراتب القداسة نظراً لوجود نص قرآني واضح ينص على أنها أفضل النساء منذ بداية الحياة إلى نهايتها – ويرفض أيُّ مسلمٍ فكرةَ أن للسيدةِ مريم أبناء غير السيد المسيح .

 

أما الاعتماد على كتاب يوسيفوس ، فهو إعتماد ضعيف . وأنا أكتب هذا الكلام وأمامي الأعمال الكاملة للمؤرخ اليهودي يوسيفوس في طبعتها التي تعتبر اليوم أفضل طبعات هذا العمل ، وأعني الطبعة الإنجليزية المعنونة (الطبعة الجديدة للأعمال الكاملة ليوسيفوس) والتي ترجمها وليام ويستون William Whiston وعلق عليها العلامة المعروف بول ماير Paul Maier (طبعة Kregel سنة 1999) . ومن البديهي ألاِّ تكون للسيد المسيح ولأمه مريم العذراء قداسة عند يوسيفوس – فيهود القرن الأول الميلادي كانوا أكثر رفضاً للسيد المسيح من أية جماعةٍ أخرى وكانوا (ومثلهم يهود الزمن الحالي) يؤمنوا أن "المسيح" لم يأت بعد . أما الجزء الذي يتحدث بتمجيدٍ عن السيد المسيح في كتاب يوسيفوس (الصفحات من 987 إلى 997 من الطبعة المذكورة) فهناك إجماع بين دارسي يوسيفوس ومنهم العلامة المعروف Paul Maier بأن عبارات الثناء التي كتبها عن السيد المسيح قد أُضيفت في زمن لاحق وظاهر أن كاتبها مسيحي – فهي مكتوبة بروحٍ مسيحية واضحة وبعبارات لا يبقى اليهودي يهودياً لو أستعملها في حديثه عن السيد المسيح . بل أن العلامة Maier قد أستقصى هذه الفقرة ووجد النسخ (من تاريخ يوسيفوس) التي أُضيفت إليها (لاحقاً) عبارات الثناء على السيد المسيح .

وهناك مسألة أخرى ، وهو أن الذين يقولون (من البروتستانت) بأن للسيد المسيح أخوة وأن والد هؤلاء هو "يوسف النجار" ، يغيب عنهم أن يوسف النجار توفي قبيل إنتقال السيد المسيح للسماء بنحو عشرين سنة . ولو كان الأمر كذلك ، لما طلب السيد المسيح من والدته أن تعتبر تلميذه (يوحنا إبن زبدي) إبناً لها وتقيم في بيته . لأنه كان من الطبيعي أن تقيم في بيت إبنها (يعقوب) والذي كان عمرُه يومئذٍ قرابة العشرين .. ولما كانت هناك حاجة لأن يطلب المسيح من والدته أن تعتبر أن "يوحنا" (المعروف بيوحنا الحبيب) إبناً لها .

والخلاصة ، أن كل ما جاء بهذا العمود حول السيد المسيح ووالدته العذراء مريم وموضوع "أخوة المسيح" أبعد ما يكون عن الحقائق المُسلم بها كما جاء بخاتمة العمود عندما قال كاتبُه أنه أعتمد على نصوصٍ واضحةٍ وليس فيها أي إجتهادٍ . فالواقع أن معظم دارسي الأناجيل في العالم يعرفون أن كلمة (أخوة) و(أبناء خالة) هي كلمة واحدة في اللغة الآرامية .