حكـم مركب علـى السـادات

بقلم: طارق حجِّي

 

يظن بعض القراء أَنني "ساداتي" التوجه. وهو أَمر بعيد جداً عن الواقع. فأنا من جهة لا أصدر أحكاماً عامة وكلية على أي أحد. ومن جهة ثانية في حكمي على السادات حكم مركب: فيه إعجاب بلا حد … وفيه إستغلاط له على أمور كبيرة وخطيرة بلا حد.

فمن جهة، فإنني أعتقد أن قراءة السادات للصراع الدولي (على المستوى الأعلى) كانت سليمة تماماً. فقد رأى (قبل الآخرين وقبل ظهور أي دليل قوي على ذلك) أن الإتحاد السوفييتي وكتلته في طريق الأفول وأنها لن تبقى قوى عظمى طويلاً. ورأى أن الولايات المتحدة ستنفرد قريباً وطويلاً بمقعد قيادة الدنيا دون منافس أو حتى "مساعد طيار". كذلك رأى السادات أنه لا يوجد حل عسكري للصراع العربي الإسرائيلي وأن الحرب قد تكون مطلوبة تكتيكياً (وهو ما حدث في أكتوبر 1973) ولكن الحل لن يكون إلا سياسياً أي بالتفاوض. كذلك كان في صدر السادات شعور (لا يوجد إلا بصدور كبار كبار الرجال) إن العرب وإسرائيل يجب أن يصلوا (بشكل منطقي وعادل نسبياً) لما وصلت إليه العلاقة بين ألمانيا وفرنسا والتي شهدت حروباً أكثر وأكبر من حروب العرب وإسرائيل- إلا أنهما صارا محور وجوهر الإتحاد الأوروبي منذ بدايته في سنة 1959 ثم تطورت بعد ذلك بشكل بالغ الروعة.

ولكن نفس الرجل ذا الرؤية الحكيمة والصائبة والدقيقة لحركة مسرح العالم الكبرى، لم يكن على نفس الدرجة من الحكمة في مسائل أخرى:

أما المسالة الأولى التي تناولها السادات بمنهج خاطئ للغاية، فهي خطته التي أطلق بموجبها تيار الإسلام السياسي في الجامعات والنقابات بل وفي المجتمع كله لخلق توازن كان يتوخاه مع "اليسار المصري". ورغم إختلافي مع اليسار المصري، فهو وطني وشريف ومثقف وعصري ويسعى للتقدم والحداثة وإن كان بطرق أختلف معه فيها. أما تيار الإسلام السياسي فلا يمكن أن يأخذنا إلا للوراء بعنف ودراماتيكية تلقي بنا في رحم العصور الوسطى وظلامها وتأخرها وبُعدها عن التقدم والتمدن. وأعتقد أن صديقاً من أصدقاء العرب (ك.أ) وصديقاً من أصدقاءه المصريين (ع.أ.ع) كانا وراء دفعه في هذه الطريق التي إنتهت به للمنصة (يوم 6 أكتوبر 1981) وإنتهت بمجتمعنا لما شاهدناه في الثمانينيات والتسعينيات ولا نزال نبكي على وطننا من وجوده بيننا وبشكل أكبر خطر على إحتمالات تقدمنا.

كذلك كان فهم السادات للإقتصاد الحر فهماً بسيطاً بل وبدائياً وتمثل في قولته الشهيرة لرشاد عثمان أن الإسكندرية أمانة في يده!! ولا أعتقد أن السادات كان بوسعه أن يفهم الإقتصاد الحر ودور الإدارة الحديثة في نهضة المجتمع الإقتصادية بشكل أرقى مما فهمه-فقد كان السادات حكيماً … أما إدراك ما أقصده هنا فيحتاج لأشياء أخرى غير الحكمة.

كذلك كان السادات أبعد ما يكون عن فهم الديموقراطية … تحدق عنها، ولكنه كان في سائر وتفاصيل حكمه "حاكماً غير ديموقراطي". وقد جسد "أمور السادات" فهم معظم حكام العالم الثالث للديموقراطية: فهم ينظرون لها وكأنها لعبة أو تمثيلية. أما جوهر الديموقراطية فهو بعيد جداً عنهم وعن فهمهم وعن قبولهم.

فعندما يقول لي قائل: أن لكل مجتمع ظروفه وخصائصه الثقافية والمجتمعية وبالتالي تكون له ديموقراطيته الخاصة تلك لا تخلو من أسس أية ديموقراطية وهي أربعة أسس: الأول: أن يأتي الحكام لمواقع الحكم بطريقة ديموقراطية أي بالإنتخابات العامة المباشرة والتي لا تشوبها شوائب التأثير أو التزوير.

أن يحكم الحكام وفق نصوص دساتير وقوانين واضحة لا تجعل لهم "كل السلطات" … ثالثاً: أن تقابل سلطات الحكام آليات محاسبة ومسائلة هؤلاء ( Accountability ).. رابعاً أن تنتهي مدة حكم الحكام ويتركوا الحكم وفق قواعد قانونية عصرية.

وإذا نظرنا للسادات من هذا المنظور-فإنه كان أبعد ما يكون عن الديموقراطية.إلا أن شعوب العالم الثالث قد تعتبر الحاكم ديموقراطياً لأنه بالمقارنة بغيره أقل بطشاً (!!).

ولكن-ما هو هدفي من هذا المقال؟.. هدفي ببساطة أن أدعو شباب مصر لعدم تقديس أحد، وإنما أن ننظر لكل شخصية عامة (بإحترام) ولكن بموضوعية، لكي نرى الإيجابيات والسلبيات فكلنا بشر، وكل عمل بشري فيه قسط من الخطأ والنقض. ويمكننا أن "نحب" البعض على ألا يأخذنا هذا الحب لدرجة من التقديس تتنافى مع كون كلنا بشر نصيب أحياناً … وفي مرات كثيرة نصيب قليلاً … ونخطأ كثيراً!