مرة أخرى: أقباط مصر.


هذا هو النص الحرفي لحوار دار بيني وبين "مصري مسلم" يعتقد أن مسيحيَّ مصرَ يبالغون في إعتبار أنهم "مظلومون في مصر اليوم". وسأرمز للسائل باسم "سيف" لأن هدف كتابة ونشر هذا الحوار لا علاقة له بالأشخاص وإنما بالحالة العقلية التي أصبح مسيحيو مصرَ يعانون منها ومن كل أشكال السلوك المنبثقة منها:

  • سيف: هل تعتقد أن مسيحي مصر مظلومون؟
  • أنا: يقيناً أنهم مظلومون.
  • سيف: هل الظلم الذي ترى الأقباط يعانون منه ظلم بسيط أم متوسط أم كبير؟
  • أنا: لا يساورني شك أنه ظلم كبير.
  • سيف: أعطني أمثلة على أشكال هذا الظلم.
  • أنا: هناك عشرات من الأشكال لهذا الظلم. خذ عندك بعض الأمثلة: عدد الأقباط في مجلس الشعب وعدد الأقباط في مجلس الشورى وعدد الأقباط في وزارة الخارجية وعدد الأقباط في قيادات الجيش والشرطة .. وعدد الأقباط بين رجال القضاء والنيابة العامة .. وعدد الأقباط بين رؤساء تحرير الصحف وكبار رجال الإعلام .. وعدد الأقباط بين المحافظين ورؤساء المدن والأحياء .. إن عدد الأقباط في كل هذه المواقع (وغيرها كثير) لا يتناسب مع عددهم في المجتمع (من 15 إلى 17%). ويرجع ذلك إما لسياسةٍ موضوعةٍ (ولا أعتقد أن الأمر كذلك) أو لتمكن روح التعصب من كثيرين بما جعلهم يتمكنوا من الوصول بالواقع لهذه الحالة الراهنة. وقد كان كثيرون بالمواقع الرئيسية (خلال نصف القرن الأخير) غير مستعدين للقبول بوجود هذه المشكلة – وبالتالي فإنهم لم يواجهوا "روح التعصب" أو ذهنية التعصب" أو "ثقافة التعصب" التي عربدت في واقعنا وأوصلتنا لما نحن عليه اليوم.
  • سيف: هل تتركز المشكلة في عدم وجود المسيحيين في هذه المواقع؟
  • أنا: لا .. المشكلة أكبر من ذلك. خذ عندك: التليفزيون المصري في كل قنواته يذيع القرآن والأحاديث النبوية والبرامج الدينية. ولا توجد أية مساحة زمنية معقولة على كل قنوات التليفزيون المصري للصلوات المسيحية أو للبرامج الدينية المسيحية أو للتراتيل الدينية القبطية.
  • سيف: وماذا أيضاً؟
  • أنا: مأساة موضوع بناء الكنائس. فإذا كان الواقع قد شهد بعض التحسن في هذا المجال ، فإن الأمر المتصل ببناء الكنائس برمته لا يزال عامراً بكل ما هو غير منطقي وغير إنساني وغير عادل.
  • سيف: وهل الجانب المسيحي في رأيك خال من المآخذ؟
  • أنا: لا .. هناك اليوم "درجة غير بسيطة" من ذهنية التعصب بين عدد من الأقباط. ولكنني كدارسٍ للشأن القبطي أؤكد أنه هذا العيب في بعض الأقباط "رد فعل" لما إستشرى في مجتمعنا من روح وذهنية وثقافة تعصب قادها دعاة الظلام ولم يتصدى لشيوع ذهنيتهم في مناخنا العام من كان من الواجب أن يفعلوا ذلك. أنني أدعوك لمطالعة بيانات جماعة الأمة القبطية في أوائل خمسينيات القرن الماضي – وستجد أنها نسخة منقحة من بيانات جماعة الأخوان المسلمين قبل سنوات قليلة (أي في نهاية الأربعينيات). إن مصلحة الأقباط أن يعيشوا في مصر لا تعرف التعصب وأكبر كابوس يشغلهم هو إستشراء التعصب في واقعنا وإذا زال التعصب فإنهم الرابحون الأوائل عندما تكون المواطنة هي أساس كل شئ كما كان الأمر في عهد الأقباط الذهبي (1919/1927) حيث كان كبير الأغلبية (سعد زغلول) يمنح الأقباط أكثر من مطالبهم – فمات بعضهم من أجل هذا المناخ العام.