المـلـك والـسـيـف


 أوجع قلبي وعقلي وضميري أن أرى ملكَ السعوديةِ يقدم لبابا الفاتيكان سيفاً . فما كان أشد حاجتنا لأن نبعد أنفسَنا عن السيوفِ ونبعد إسمَ الإسلامِ والمسلمين ورموزهما عن السيفِ كشكلٍ وكفكرةٍ وكدلالةٍ. لذلك فما أن أوجعت صورةُ ملكِ السعودية قلبي وعقلي وضميري وهو يهدي السيفَ لبابا ال?اتيكان حتى أمسكت بقلمٍ وكتبت الكلمةَ التي لم يُلقها ملكُ السعودية وكان الجدير به أن يفعل لو كان مستشاروه يعرفون العقل الغربي ثقافة الغرب .

 

كلمة الملك التي كان ينبغي أن تُلقى :

قداسة البابا ... حضرات الكاردينالات ... بإسم السعوديةِ التي أَشرفُ بتمثيلِها وبإسمِ الإسلامِ والمسلمين الذين أشرف بالإنتماء لهم ، أُلقي عليكم تحيةَ السلامِ ... علماً بأن حروفَ كلمتي "السلام" و"الإسلام" متطابقتان في اللغةِ العربيةِ . بإسمي وبإسم من أُمثلُ أدعوكم لكي نبدأ عصراً جديداً يقوم على الإحترامِ المتبادلِ وعدمِ قيامِ أي منا بجرحِ مشاعرِ الطرفِ الآخر ، ناهيك عن الإعتداءِ المادي والمعنوي عليه بشكلٍ مباشرٍ أو غيرِ مباشرٍ . إنني أدعوكم وأدعو الجانبَ الذي أُمثله أن نتعاهد على أن أصحابَ كل دينٍ وإن كان من حقِهم دعوة الآخرين لدينِهم فإن ذلك ينبغي ألا يتم بالعنفِ أو القسرِ أو الإجبارِ أو الإعناتِ أو السيفِ وإنما بالمنطقِ والحجةِ وتبيانِ مزايا الدين الذي ننتمي له . إنني من الآن أُعلن أن "الجهادَ" لا يعني إلا الدفاع عن النفس ومواجهة العدوان ، ولكنه لا يعني أبداً الذهاب للآخرين بالقسوةِ والعنفِ والسيفِ لإدخالهم عنوةً في ديننا . فما أبئس أي دينٍ لا يستطيع الإستحواذ على عقولِ وقلوبِ وإعجابِ الناسِ إلا بالعنفِ والقسرِ وعملِ السيوفِ . كذلك فإنني أدعو كلَ الأطرافِ للإهتمامِ بنوعيةِ أتباعِ كل دينٍ أكثر من الإهتمامِ بأعدادِهم ... وإن لدينا في مسألةِ تحسينِ نوعيةِ المؤمنين بديننا العظيم الكثير لنقوم به .

 

إنني أدعوكم والجانب الذي أمثله لئلا يسخر أيٌّ منا من الآخر أو يسفه مُعتقداته أو يَزعم أن كُتبَه المقدسة مُحرفةٌ . إنني أدعوكم والجانب الذي أمثله لعهدٍ جديدٍ من حريةِ الإعتقادِ وحريةِ العبادةِ وحريةِ إنشاءِ دور العبادة في أي مكانٍ وفي أي زمانٍ . وإذا كان نبيُّ الإسلامِ قد رحب بأن يصلي مَسيحيو نجران بمسجدهِ الذي هو اليوم المسجد النبوي بالمدينةِ المنورةِ , فإنني أُعلن أمامكم أننا سنبدأ عهداً جديداً في التعامل مع غيرِ المسلمين بصفتهم إخواننا في الإنسانيةِ ، وسأدعو كل المسلمين في العالمِ لأن يعرفوا أن مصطلحاتٍ مثل دار الحرب ودار السلام وأهل الذمة كانت متصلةً بظروفِ تاريخيةٍ في أزمنةٍ قديمةٍ وأننا نهدف اليوم لعالمٍ لا ينقسم إلى دار حربٍ ودار سلامٍ وأن مساجدَنا مفتوحةٌ للترحيبِ بالجميع وأن ديننا متينٌ لا يحبس أحداً في دائرةِ الإعتقاد به قسراً وعنوةً . إنني يا صاحب القداسة إخترت لك هديتين رمزيتين أحدهما نخلة ذهبية رمز تاريخنا وبيئتنا ومخطوط قديم للإنجيل يعود لقرون طويلة بعيدة خلت . وقد رفضت إقتراحاً بأن أهديكم سيفاً ؛ فلا السيف من رموزِكم التاريخيةِ ولا هو مما نحب أن يكون مسلطاً فوق علاقتنا المستقبلية . إن بلادي ستعمل جاهدةً في المستقبلِ على أن تكون إقامةُ غير المسلمين بها متسمةً بكل معاني كرم الضيافة ورحابة الصدر والتسامح بما في ذلك حقهم في الصلاةِ وعبادةِ الله في كنائسٍ أو معابدٍ حسب دينهم وطائفتهم . إن إرتفاعَ مناراتِ الكنائسِ أو قباب المعابد فوق أرض بلادي لن يجرح شعورنا كما أن إرتفاع مآذن المساجد في أوروبا وأمريكا وكندا وأستراليا لم يجرح مشاعر غير المسلمين بتلك البلاد . كذلك أعدكم بأن ندرس في وقتٍ قصيرٍ عدم تطبيق قوانينا المستمدة من ديننا على أُناس لا يؤمنون بهذا الدين . لنبدأ معاً عهداً جديداً من قبول الآخر والتسامح ونسبية الإعتقاد ؛ أي ألا يتصرف أيُّ إنسانٍ على وجهِ الأرضِ على أساسِ أن دينَه هو الصوابُ المطلق وأن أديانَ الآخرين هى الخطأ المطلق ، ولنترك لله الحكم على أمورٍ ليس بوسعنا (وليس من مهامنا) الإنشغال بها . إنني أدعوكم وكل الذين أمثلهم لعهدٍ جديدٍ من التسامح وقبول الآخر والإحترام المتبادل وعدم إفتراض خطأ الآخر وترك ما لله لله . كما أنني أغتنم فرصة هذا اللقاء للدعوةِ لتكوينِ لجنةٍ من أفاضلِ علماء الأديان السماوية والعقائد الأخرى لمراجعةِ كافةِ برامج ومقررات ومناهج التعليم في شتى بقاع العالم لتحقيق الأهداف التالية :

•  لتنقية هذه البرامج التعليمية من أية مادةٍ تسيء لعقائد الآخرين .

•  لتنقية هذه البرامج التعليمية من أية مادةٍ تبذر بذور الشوفينية الدينية والشعور بالتعالي على الآخرين .

•  لتنقية هذه البرامج التعليمية من أية مادةٍ تقزم التسامح وقبول الآخر وتستأصل الإعجاب بالتعددية والإختلاف كأهم معالم الحياة الإنسانية وأسباب ثرائها وجمالها .

 

وإسمح لي يا قداسة البابا – الآن – أن أهديك النخلة الذهبية ومخطوط كتاب العهد الجديد التي تعود لزمن إنتشار المسيحية في منطقة نجران ، وهى اليوم واحدة من محافظات أو ولايات المملكة العربية السعودية .

 

*** *** ***

 

إنتهى خطابُ الملكِ الذي لم يلقه وكان من الجدير به (في إعتقادي) أن يلقيه .