المخربون في الأرض .

يعيش العقلاءُ في منطقتنا اليوم وبين أرجلهم ومن حولهم قطعاناً من المخربين . أما العقلاء ، فتعريفهم عندي أولئك الذين يريدون أن يعيشوا وأن يحسّنوا نوعية الحياة لأنفسهم وللآخرين معهم ومن بعدهم . أما المخربين ، فهم أولئك الذين يصرون (تحت شعارات يرفعونها وتبدو للسذج نبيلة) على إعاقة الحياة وعملية تواصلها وتواصل تجويدها وتحسين نوعيتها . وأول المخربين ، هم أولئك الذين يخلطون (بخبث لا بحسن نية) الدين بالسياسة ، فيدعون أن الله معهم وأنهم – لذلك- يملكون وصفة (روشتة) علاج لإمراض واقعنا كلها . وهو زعم ساذج وبدائي ولا أساس له من المنطق أو التجربة التاريخية . فالتاريخ الذين يصفونه بالمجيد لم يكن أكثر من تاريخ إنساني كان عامراً بالصراعات والدم (مقتل ثلاثة من أربعة خلفاء راشدين ... وجرائم بني أمية بدءاً من مقتل الحسين وأنصاره إلى آخر السلسلة المعروفة من حكامهم وحكمهم الذي وصفه إبن خلدون بأنه ما كان إلا ملكاً عضوضاً) ... ثم جرائم معظم الخلفاء العباسيين بدءاً من أوليهما – السفاح وأبي جعفر المنصور اللذين قتلا من ساعدهما على الوصول للحكم – إلى هارون الرشيد بطل مجزرة البرامكة ... إلى المأمون الذي أمر بضرب أحمد بن حنبل "ضرب التلف" لإختلافه معه في قضية فلسفية محضة (قضية خلق القرآن أم أبديته) ... إلى لحظة سقوط الخلافة العثمانية ...

 

ولا يضحكني شيء أكثر من زعم "أول المخربين" أن نهجهم سيأتي بالبركة الإلهية ... فتنجح أعمالهم . وقد تناسى هؤلاء أن البركة (كل البركة) لم تفد المسلمين يوم موقعة أحد حيث إنهزموا رغم وجود أقوى أسباب البركة وسطهم وهو الرسول (ص) . وهى حادثة فارقة في تاريخ المسلمين إذ تثبت أن الله (كما كتب الوليد بن رشد بروعة) وضع قوانين الحياة وجعلها تعمل ... ومن بين قوانين الحياة أن ينتصر في الحروب من هو أكفأ ، ليس من "يتخيل أن البركة معه" .

 

ولولا أمية الكثيرين من أبناء مجتمعاتنا وضحالة علم معظم المتعلمين ، لكان من الجلي للكل أن "أول المخربين" لا يمكن أن يكونوا أكفاء . فللكفاءة مصدران هما "العلم" و "الإدارة الحديثة" ... ومن غير المتصور أن يتحلى "هؤلاء" ببعض (ناهيك عن الكثير) من مقومات الكفاءة هذه ... ويكفي أن ننظر إليهم ونسمع (ونقرأ) كلامهم ... (يقول أرسطو : "تكلم حتى أراك") .

 

وإلى جانب "أول المخربين" يقف حسن نصر الله الذي يصر على تدمير لبنان (أحد أجمل بقاع عالمنا العربي) بسبب تبعيته المطلقة والعمياء لنظام حكم القرون الوسطى في إيران . ومن أكثر ما يحزنني أن يكون معظم الأحياء على سطح الأرض يرون جسامة وفداحة خطأ حسن نصر الله يوم 12 يوليو 2006 (بل ويقر هو أيضاً بذلك الخطأ في حديث له من واحد من أكثر المثقفين العرب إمعاناً في التخريب) ولا يعني ذلك عند شعوبنا وضع هذا الشخص على رأس قائمة المخربين . إن النتيجة العملية الوحيدة لحرب حزب الله لإسرائيل في صيف 2006 هى إنتقال "ميليشيا حزب الله وزعيمها" من القتال مع إسرائيل إلى القتال مع لبنان ولبنانيين آخرين أكثر إنتماء للعصر من ميليشيات "السيد" المستند بالكلية على "حائط طهران" .

 

وإلى جوار من ذكرت من المخربين ، تأتي "حماس" (الإخوان المسلمون فرع غزة – كما كانوا يسمون منذ عشرين سنة) . فمن لحظة مجيئهم للسلطة أكد?وا للبشرية خطورة هذا الفصيل بتصرف غاية في قصر النظر . جاءت حماس بسنةٍ جديدة هى عدم إحترام الحكومات الإسلامية لما سبق وأن أقرته حكومات سابقة . ويزيد من فداحة الخطأ – هنا- معرفتي (المؤكدة) أنه لا يوجد زعيم من زعماء حماس إلاَّ ويؤكد في أحاديثه وحواراته الخاصة أن وجود إسرائيل حقيقة مؤكدة . فلما أذن إيذاء ملايين الفلسطينيين من أجل "وهم" ليس إلاَّ ؟! الجواب : لأننا بصدد "مخربين" لا "رجال حكم مسئوليين" .

 

وفي طهران , يحكم مخربون قد يأخذوا البشرية لحرب كونية بسوداوية فكرهم وإنعزالهم عن حقائق الواقع ورفعهم شعارات لا تمت للعصر ولا للحضارة ولا للمدنية بصلة . ومخربوا إيران طغمة لا ترى أن من أهم مهامها العمل على تحسين ظروف حياة الشعب الإيراني ، وإنما التحول الذي لا تتوفر أيَّ من شروطه لقوة عظمى !..

هل إكتملت قائمة المخربيين ؟ .. قطعاً لا .. ففي واشنطن مخربون لم يجيدوا عملاً واحداً بدأوه منذ سنة 2001 . وبصرف النظر عن صواب أو خطأ ما أقدموا عليه , فإن ما أقدموا عليه مورس بأشد درجات الغلط و الخطأ وإنعدام المعرفة والرؤية .

وفي القدس وتل أبيب مخربون آخرون لم يدركوا قط أن الزمن (الذي يحاولون كسبه) إنما يعمل ضدهم ... كما أنهم لم يدركوا قط حجم مساهمتهم في إطلاق مارد المتأسلمين من قمقمه ...وربما يدركوا ذلك – بعد فوات الأوان .

 

عالم مجنون هو الذي نعيش وسطه ... عالم حاشد بالمخربين الذين يحملون نار حقد هائلة في منطقة كلها مواد قابلة للإشتعال : البترول والدين .