الإدارة الإنسانية قاطرة الأفراد والشعوب.

رغم أن "ولينجتون" هو القائد العسكري البريطاني الذي هزم "نابليون بونابرت" في معركة ووترلو سنة 1815 ، إلاِّ إنه إستمد شهرته من شهرة "نابليون" ذاته بل ومن النسبة إليه فقط. وعندما يزور الزائرون متحف ولينجتون في بريطانيا ، يجدون تمثال نابليون واقفاً ليذكر الناس بأن عظمة "ولينجتون" مستمدة (في المقام الأول) من ذلك الإنسان الذي لا يضاهيه إلاِّ الأسكندر الأكبر في حجم الشهرة ومدى إمتدادها على مساحات الزمان (في كل زمان) والمكان (في أي مكان).

 

ومن الكلمات الخالدة ما قالها ولينجتون نفسه عن نابليون ، عندما قال "إن جيشاً بدون نابليون هو جيش تنقصه خمس فرق". ولا يملك الإنسان (المدرك لأبعاد تلك المقولة ومعناها التاريخي) إلاِّ أن يقف روحه إحتراماً لتلك "الجزئية" التي عناها وقصدها "ولينجتون" إلاِّ وهي الإرادة الفذة لرجل واحد وأثرها وحدها في تسيير وتوجيه وقيادة الأحداث ومجريات الأمور.

 

إن ما أراد ولينجتون في الحقيقة أن يقوله (للتاريخ والناس في كل زمان ومكان) إن "إرادة إنسان واحد" قد تكون أعظم من آلاف "الإرادات الخاملة" لآلاف الناس الذين يكونون "آلافاً" بمنطق "الأعداد" ولكنهم "أصفاراً" بمنطق "القيمة" ، "الفاعلية" ، "الآثر" و"الناتج".

 

وعندما يتأمل إنسان من المهتمين بالعظمة والعظماء تلك المجموعة من محبي وعشاق "العقاد" (أعظم عقل ثقافي في تاريخ مصر منذ أقدم العصور وللآن)، فإنه لا يلبث أن يدرك أن "محبي العقاد" وإن كانوا عظيمي التقدير لثقافته الموسوعية (نادرة المثال) ولعمق وإتساع معارفه وجبروت منطقه وغزارة إنتاجه ، إلاّ أن محور تقديرهم للعقاد هو إعجابهم بدور "إرادته" في تشكيل حياته وتوجيهها في المسار الذي أخذته ، وهو الأسواني البسيط الذي لم ينل إلاِّ الشهادة الإبتدائية ، ورغم ذلك فإن أعظم مثقفي جيله لا يتجاوز قامات علمه وهامات معارفهم (رغم عظمة تلك القامات والهامات) "مقام صغير" أمام مقام كبير.

والخلاصة أن "الإرادة الإنسانية" وأعني "إرادة الإنسان الفرد" لا "إرادة المجتمع" هي أعظم "قوة خلاقة" يمكن عن طريقها إنجاز ما يبدو مستحيلاً من الآمال والأهداف والغايات. والخلاصة أيضاً: أن المجتمعات التي نجحت وتقدمت وإزدهرت وبزغت شموس تألقها هي المجتمعات التي وفرت مناخاً يسمح للإرادات الإنسانية الفذة بالظهور وممارسة الأدوار التي هي وحدها القادرة على بلوغها .. أما المجتمعات التي أصابتها جرثومة الأفكار "الجماعية" والتي أثبت التاريخ المعاصر قدرتها الفائقة على قتل "الإرادات الإنسانية الفذة" فإنها إما أن تفيق من سكرتها وتلحق بقطار النجاح الوحيد (ومجتمع الإزدهار الذي تقوده إرادات الأفراد والأفذاذ) وإما أن تجد نفسها (خلال فترة زمنية قصيرة) وقد أكتمل من حولها ظلام الإخفاق بكل صوره وأشكاله وألوانه.