هؤلاء الثوار … وثقافتهم المذهلة .

كانت قنوات التليفزيون المحلية والفضائية تبث برامجها عندما شاء لي الحظ (العاثر) أن أرى وأسمع رجلاً كان أحد أعضاء مجلس الثورة في بلده وكما كان نائباً لرئيس الجمهورية في هذا البلد لسنوات عديدة . جلست أستمع وأنا لا أصدق أُذني: أن الرجل بسيط الفكر سطحي المعرفة معدوم الثقافة بشكل يصعب تصوره . واستمرت متابعتي للرجل لعلي أجد شيئاً ينم عن فكر ذي قيمة أو معرفة ثرية أو أي معلم من معالم الثقافة ولم أجد شيئاً واحداً من كل ذلك . وكانت للمقابلة التليفزيونية بقية تابعتها بعد أيام وكلي أَمل أن يثبت لي الرجل الذي يقف على أعتاب الثمانين من عمره أنني كنت مخطئاً وأن في جعبته ما لم أره أو أسمعه فيما سبق من حديث . ولكن الصورة المفجعة تأكدت: فالرجل متواضع العقل والفكر والقدرات والثقافة بما لا يسمح له في مجتمع متقدم إلاَّ بوظيفة صغيرة للغاية لا تحتاج لأي مؤهلات إلاًّ أن يكون شاغلها "إنسان" . وتساءلت (والحزن يعتصرني) أكان معظم زملاءه على نفس الشاكلة ؟ .. . ولم أستطع الحصول على إجابة إلاَّ بالنسبة لعددٍ منهم: فأحدهم كان وزيراً للتعليم في بلده ، وقد رأيته وسمعته ووجدته صورة كاربونية من "الثوري الكبير" الذي تابعته على شاشة التليفزيون من خلال برنامج بثته إحدى القنوات الفضائية العربية . وآخر كان يُقال أنه أكثرهم ثقافة لأنه كان يسارياً قبل نجاح انقلابهم المعروف ، وقد تحدثت معه في جلسة بمنزل صديق مشترك فلم أصدق نفسي: فالرجل من الناحية الفكرية كصفحةٍ بيضاء لم تُكتب عليها كلمة واحدة ، ناهيك عن رعونة ظاهرة في الكلام ومعرفة ضحلة للغاية بحقائق وثقافات وتيارات العصر .

 

وتساءلت: إن كان ذلك كذلك وهم في السبعينات من العمر ، فكيف كانوا وهم في الثلاثينات؟

 

وراجعت أحداث البلد الذي قامة على أموره سنوات وسنوات: راجعت الفشل الاقتصادي المروع الذي بلغوه وراجعت الجهاز الحكومي المترهل المترع بالبيروقراطية وعدم الكفاءة والفساد الذي أجدوه وراجعت سجل معاركهم الخارجية وحجم الخسران الذي حققوه .