خواطر شخصية عن "ظاهرة عمرو موسى".

تتجه أعدادُُ كبيرة من المصريين للإعجاب بوزير الخارجية "عمرو موسى". وفي المقابل فإن معظم الغربيين (الأوروبين والأمريكان) يروّنه بمثابةِ شخصٍ يجسدُ الديماجوجية (الغوغائية) وحب استعمال "العبارات الكبيرة" والظهور بلغةٍ جسديةٍ Body Language ولغة خطابية Vocal Expressions يمثلان "قوة غير حقيقة" بل ولا أساس لها من الواقع . وبينما يتحيّر الغربيون في فهمِ ظاهرةِ ولع المصريين بالسيد عمرو موسى (بما قي ذلك أصحاب عقول جبارة أمضت سنوات طويلة في دراسة الشرق والعرب وتاريخهم وثقافتهم) فإنني لا أتحيّر لحظةً واحدةً أمام هذه "الظاهرة السلبية". ففي كتابي (نقد العقل العربي) فصل بعنوان (ثقافة الكلام الكبير) نشر بالعربية وترجم لأكثر من خمسِ لغاتٍ أَوروبية وكان محل اهتمامِ عددٍ كبيرٍ من المتخصصين في دراسة الشرق الأوسط . وفي هذا الفصل ما يكفي لتشريح "ظاهرة عمرو موسى" وإرجاعها لعناصرها الحقيقية.

 

فلأسباب عديدة تاريخية واجتماعية، أصبح العقل المصري لا يفرق بين (الأقوال) و (الأفعال). وأصبح بالتالي يعتقد أن (الأقوال) تعادل (الأفعال) – وبالتالي أصبح يرى (الأقوال) كإنجازاتٍ – وهذا غير صحيح على الإطلاق. وقد إكتشف السيد / عمرو موسى خلال السنوات الأربع الأخيرة هذا "البُعد" في الشخصية المصرية، فلّعب عليه دون توقف .. وبثقةٍ كاملةٍ أن "الجمهور" يهتم بأمرٍ واحد هو "مظهر الكرامة" وليس "جوهر الكرامة" … وأنه جمهور متعطش للأداء المسرحي القائم على مظاهر القوة – حتى لو لم يكن لهذه القوة وجود حقيقي وحتى لو كان جوهر "الكلام الكبير" هو "عدم النضج" و "عدم إدراك موازيين القوة الحقيقية".

 

وفي اعتقادي أن المصريين الذين لم يشاهدوا (إنجازات حقيقية كثيرة على أرض الواقع) أصبحوا ينبهرون بالإنجازات (الكلامية) دون أن يعرفوا أنها مجرد (بالونات هلامية) سريعاً ما تتبخر وتتلاشى دون أن تكون (حقيقية) أو (مؤثرة) أو ذات آثار واقعية إيجابية.

 

لقد أدركَ (جمال عبد الناصر) من قبل هذا الاحتياج النفسي الشديد لدى الكثيرين لمظاهر القوة والكبرياء والفتوة، فعزف على تلك النغمة حتى دفع هو (ودفعنا معه) الثمن باهظاً صباح يوم الاثنين يونيه 1967 .

 

إن الأمم بحاجةٍ لمن (يعملون) أكثر من احتياجها لم (يتكلمون)، وهي بحاجة لرجال الأداء (المتقنيين للأداء) وليس لرجال (التمثيل على مسرح الكلام الكبير) ، وهي بحاجة لنتائج تتمثل في أداء اقتصادي ممتاز يترجم لنتائج اجتماعية طيبة، وليس لمن يجعلهم ينتشون بكلام كبير لا يستطيع هو أن يترجمه لواقع حيِّ.

 

إن ظاهرة "عمرو موسى" هي ظاهرة تحتاج الدراسة ليس من أجل صاحبها وإنما من أجل مصلحة هذا الوطن الذي يحتاج لبعض أبناءه الذين يتقنون الأعمال والأفعال وليس لأولئك الذين كان الجدير بهم الاتجاه لمهنة التمثيل المسرحي.